Wednesday, March 11, 2015

حيرتي جالسة تفاحة على الطاولة

«حيرتي جالسة تفاحة على الطاولة»


ومن القواعد المُقَرَّرة في «الشهادَتولوجيا» أنَّ القتيل في سبيل قضية واحدة واضحة المعالم، أو مَنْ يسري الاعتقادُ بأنه قتيلُ قضية من هذا القبيل، أهْوَنُ على التَّسييل في سوق الشهداء من القتيل في سبيل قضايا شتى أو القتيل في سبيل قضية غائمة الحدود.

ولعل الأبرزَيْن من بين الشواهد «اللبنانية» على هذه القاعدة عماد مغنية ورفيق الحريري؛ فالأول من بينهما، بصرف النظر عَمَّنْ قتله، أحد أجهزة النظام السوري أو الموساد أو السي آي إي أو فريق لم يُتَّهم بعد، أو الأربعة مجتمعين، أو ثلاثة من الأربعة أو اثنين منهما، «شهيد» واضح المعالم لا يرتضي التنظيم الذي ينتمي إليه أن يُشَكّكَ مُشَكّكٌ في القضية التي قتل في سبيلها، واستطراداً في هوية المرتكب أو أقله في هوية الآمر والمحرض. أما رفيق الحريري، وبصرف النظر عمن قتله،  أو أمر أو حرض على قتله، فـ«شهيد حائر»، لا تستقر «القضية» التي قُتل في سبيلها على قرار، ويبقى، مِنْ ثَمَّ، شهيداً برسم التنقيح أو قل شهيداً برسم «الإعمار» و«إعادة الإعمار» إلى ما لا نهاية...

قبل قليل من موعد الاغتيال، (أي من موعد الغداء الذي لم يتح له أن يتناوله)، غادر رفيق الحريري البرلمان وتوجه إلى مقهى الإتوال...

«كنت أجلس مع [محمد] شقير في جانب [من المقهى]، وكان الزميل وليد شقير والناطق الإعلامي باسم الأمم المتحدة في لبنان نجيب فريجي [يجلسان] في جانب آخر، وعندما دخل الحريري توجه إلينا وقال: «أنتما تمثلان الطائف»، ثم توجه إلى شقير وفريجي: «أما أنتما فتمثلان القرار 1559»، وأنا سأختار مكانا وسطاً...»؛ (من شهادة فيصل سلمان أمام المحكمة الدولية؛ السفير 9 كانون الثاني 2015).

لا يهم أن يكون المدير السابق للمخابرات، جوني عبده، بعد أسابيع من شهادة فيصل سلمان، قد ناقض هذه الشهادة، وصرح بالفم الملآن: «نعم رفيق الحريري ما زِعل وقت إللّي طلع الـ 1559... حتماً ما زِعل... رفيق الحريري إلو يَدْ بالـ 1559؟ نعم إلو يَدْ بالـ 1559» ــ لا يهمّ، ولا من يحزنون فلا شهادة هذا تزيد من «مظلومية» رفيق الحريري، ولا شهادة ذاك تضيف إلى رصيده «السيادي»؛ (من شريط «زمن رفيق الحريري» الذي بُثّ في 14 شباط 2015).

يزعم بعضهم أن عماد مغنية شريك في اغتيال رفيق الحريري. حتى هذا، إثباته أو نفيه، لا يهمّ... المباراةُ، اليومَ، بين «شهيدَيْن»، وفي هذه المباراة بين «حَيَّيْن» يبدو عماد مغنية كما ولو أنه لم يخلع ثياب الميدان بعد، في حين يبدو رفيق الحريري أشبَه برائد مقهى، عجوز، حيرته جالسة تفاحة على الطاولة...

No comments:

Post a Comment