Wednesday, March 11, 2015

1975 ــ 2015 فصاعداً
من حضر السوق باع واشترى...

تبدأ حياة «الشهيد» مع الملصق الذي يُشْهِر على الملأ التحاقه بالرّكب السائر إلى الخلود والعُلى، ــ ويمكن، في حالة «شهيد الإيكونومي»، أن تَنْتَهي هنا!

ولـ «هنا»، هوامشُ من قبيل المجلّة الحزبيّة التي قد تُعيدُ نشر الملصق أو تخصّ «الشهيد» بمرثيّة بقلم أحد الرفاق. أما الأحزاب والتنظيمات «الجادّة» فلا تَدَعُ «الشهداء» يرتاحونَ بل تتابع تدويرهم بلا كلالة ولا هوادة. ولتدوير الشهداء أشكالٌ لها أول ولا آخر لها: أقل التدوير أن يُحْصى «الشهداء» في كتاب يجمع بين دفتيه من سقط منهم خلال فترة زمنية معينة، أو من سقط منهم في معركة مسماة، أما إذا كان الحزبُ أو التنظيم دولةً أو مشروع دولة فلقد يُنشئ مؤسسة ترعى «الشهداء» (وعوائلهم)، وقد يُخَصَّص على الإذاعة الناطقة باسمه، أو القناة التلفزيونية برنامجاً يومياً أو أسبوعياً يستعرض أسماء من سقط منهم في ذلك اليوم/الأسبوع وسيرهم وهكذا. أما في عصر الإنترنت، فأقل الوفاء لـ «الشهيد» أن تبادر سرايا الإعلام الإلكتروني، أو الإعلام المركزي أو عمدة الإعلام أو ما شاكل التابعة لهذا الحزب أو ذاك إلى إنشاء صفحة على الفيس بوك لشهيد قائد أو لمجموعة من الشهداء كما يحدث أن يُخَلّدَ الشهيد، ليوم وليلة، من خلال هاشتاغ تطلقه السرايا تلك أو أحد الإخوان أو الرفاق.

بيت القصيد أن «الشهيد» لا يموت طالما أمْكَنَ تسييله وطالما وجِدَ مَنْ يعمل على ذلك، أي مَنْ يَسْتَثمرُ فيه لغاياتٍ في نَفْسِهِ يُمْكِنُ الشهيدَ ألّا يَفْقَهَ منها شيئاً على الإطلاق، أي من يجدد قيمته الشرائية.

إلى هؤلاء الذين يصح أن يُوصفوا بـ«الشهداء الأحياء»(*) بإرادة من أرْسَلَ بهم إلى الموت، هناك «الشهداء الأموات» وهؤلاء، مُسايرة لما تقدّم، هم «الشهداء» الذين تَدَنّتْ قيمتهم الشرائية إلى الصّفْر سواء لاندثار الحزب أو التنظيم الذي قاتلوا تحت رايته («قوات ناصر» مثلاً) أو لموت «القضية» التي ماتوا على «مذبح» الدفاع عنها («جيش لبنان الجنوبي» مثلاً)، أو لخوف أولياء دمهم من تجيير هذا الدم إلى حساب نزاع جار  (قتلى الثمانينيات من متنوري الطائفة الشيعية الذين اغتيلوا على يد «القوى الظلامية» أو وجهاء الطائفة السنية الذين اغتيلوا على يد نظام البعث السوري).


هو كذلك ولكن حذارِ حذار... جانِبُ الشهداءِ الأمواتِ لا يُؤْمَن، والشهيد الميت كالنص الأدبي والمقطوعة الموسيقية: حَسْبُهُ أن يَبْلُغَ عمراً معيناً حتّى تسقط عنه جميع الحقوق ويدخل في المشاع... (ومن أظرف الأمثلة على ذلك المؤتمر الصحفي الذي عقده سمير جعجع في 14 تشرين الثاني 2012  ورّد فيه على ما جاء، قبل أيام، على لسان السيد حسن نصرالله بمناسبة «يوم الشهيد» حيث عدد جعجع في مؤتمره ذاك «بعض الجرائم التي قام بها حزب الله» وقد افتتح تعداده بـ «تفجير السفارة الأميركية في بيروت»، (18 نيسان 1983)، وأنهاه بـ«العثور على وثيقة سرية عائدة لأحد أجهزة المخابرات السورية تشير الى تورط حزب الله في عملية اغتيال جبران تويني»، لا متناسياً، في سياق التعداد حسين مروة وداوود داوود ومحمود فقيه إلخ...).



(*) مع مراعاة عدم الخلط بينهم وبين «الشهداء الأحياء» بالمعنى المجازي أي اولئك الذين أوشكوا على «الشهادة» لولا أن لُطِفَ بهم... على كره منهم أحياناً.

No comments:

Post a Comment