Wednesday, March 11, 2015

خزّان الشهداء...

اعتلى المنبر، بَسْمَلَ، صلّى وسلّم وبدأ برثاء «الشهيد» وشجاعته، ثم بمديح العائلة التي ينتسب إليها «الشهيد» وسخائها في تقديم «الشهداء»، ومن «الشهيد» والعائلة انتقل الخطيب المتمرس إلى الإشادة بالمنطقة ولم يتأخر في وصفها بـ«خزان الشهداء». اختتم الاحتفال بتلاوة أجزاء من السيرة الحسينية وانفض المجلس على موعد  قريب بمناسبة شهيد جديد.

لم يكن هذا «الأسبوع» أوَّلَ مَرَّةٍ أسمع فيها خطيباً يُشبّه البقاع بـ«خزان الشهداء» ولكن هذه المرة، لربما بسبب من شعوري بالضيق لاضطراري إلى القيام بهذا «الواجب الاجتماعي» نزولاً عند إلحاح العائلة، أردتُ أن آخذ بثأري من نفسي أولاً، ومن كل «الشهداء» ومن يتابعهم... وأسْهَلُ الثأر أحياناً أن نحمل ما نقوله، أو ما يقوله الآخرون، على مَحْمَل الحقيقة.

وهذا ما كان: انتهزت مناسبة اجتماع الأهل والأصدقاء بعد «الأسبوع» الصباحي لاستراحة قصيرة تسبق الغداء على مصطبة أحدهم وسألت ببراءة:

- بصراحة مش عم بفهم... كيف يعني نحنا «خزان الشهدا»؟ إنو يعني نحنا شهدا قبل ما نستشهد؟ إنو بياخدونا على الموت ونحنا مستشهدين أصلاً؟ عن جدّ مش عم بفهم...

لم يعلق أحد على استفساري، ولكن بدا واضحاً، من قلة الجواب، أن الاستفسار لم يقع من الحضور في آذان صماء. ثم انتهز أحدهم، بعد الصمت الذي ساد لهنيهات، إتياني على ذكر الخزان للسؤال عن مصير الخزانات التي وعدت الست ليلى (الصلح) أن تزود بها مدرسة القرية، فكان قالٌ وقيلٌ انتهى بأن تحوّل الحديث إلى النَّشّ الذي يُعاني منه خزان فلانٍ ثم إلى ما يشبه الجَلَبَة حيث أخذ كل جار يطالع جاره بقصة بطلُها خزّانُه، أو يُسدي إليه نصيحة من وحي المناسبة.

في ما بين ذلك كنت أنا أيضاً منهمكاً بأفكاري وبخزاناتي... وبدا لي، لبرهة، أنني قد وَجَدْتُها: البقاع من جنوب لبنان في محلّ السطح من المنزل. بناءً عليه، من المنطقي متابعة لأحكام الجاذبية، أن يُصْمَدَ الخزانُ على سطح المنزل. سَرّتني الفكرة إلى أن تذكرت أنَّ «الشهيد» الذي عُدْتُ للتو من ذكرى أسبوعه «استُشْهِد» في حلب، وحلب تقع إلى الشمال من البقاع، وهي، مِنْ ثَمَّ، في محل السَّطْح منه... بناء عليه، لا محل للتوسل بأحكام الجاذبية لتفسير جريان الشهداء من خزانهم صُعُداً.

أربكتني الفكرة إلى أن انتهى إلي حديث جار لجاره عن الموتور الصيني ذي الحصانين الذي يضخ به الماء إلى أعلى المبنى الذي أنْجَزَ بناءَه حديثاً في حي السلم والذي انتهى من بيع شققه جميعاً...

استأذنت بالمغادرة وأنا أقول لي: هي أحد اثنين لا ثالث لهما: إما أنهم، («الشهداء»)، يُضَخّون صُعداً بفضل موتور صيني ذي حصانين، وإما أنهم يتبخرون من خزاننا ويتقمصون شهداء هناك...

No comments:

Post a Comment