Wednesday, March 11, 2015

العاتية على العاتي

«العاتية على العاتي»

خاطبتهم قائلاً: «أنتم الشموخ كجبال لبنان الشامخة العاتية على العاتي والعالية على المستعلي».
غنت جوليا وصفق الجمهور الجالس في المقاعد الأمامية «الإمامية» ــ جمهور الرقم 4 الذي لا تقهره جبال ولا وديان والمتحفز للطيران على متن فانانه المتسابقة في شوارعنا الضيقة صوب الجليل...

«وصلت الرسالة يا سيدنا» أجابوك، وأكملت جوليا وأطربت الركاب، وصرخ السائق بأعلى صوت :زيح يا إ**...

أصبت، نحن كجبال لبنان، نهوى الجبال وروائحها ونعمل على  اكتشاف خباياها، من القلمون إلى أعلى هضبة نفايات في العمروسية.

نصول ونجول ونخلع أحذيتنا احتراماً للأرز وشجر الصنوبر، حيث الشهيد وأم الشهيد وأخت الشهيد، وحيث مشروع الشهيد الذي لا ينام، وإن اتفق له وغفت عيناه أيقظته رائحة مشاوينا ودربكة أراجيلنا وشجاراتنا الودية على موقف سيارة.


يا سيدنا، جبال لبنان أصبحت أعلى بعد تموز، وأغلى... سَلْ رجال الله عنها....سَلْهُم عن سعر المتر المربع فيها، سَلْهُم كم ارتفعت قيمتها بفضل أطنان الصخور والرمول المستخرجة منها إرضاء للعقاريين وشركاهم، وأطنان النفايات ومخلفات المسالخ والمستشفيات التي نُخَصّبُ بها الوديانَ لعلها تُنبت جبالاً، وأطنان المشاعات والأملاك النهرية المقسومة، بالعدل والسوية، بين «الرابط» و«المسؤول»... 

خلص يا سيدنا... جبال لبنان العاتية تكاد تنفجر مما يعتمل فيها من غاز الميثان ومن أموال حرام ومن ديدان وصراصير.

خلص يا سيدنا... الشهداء مقبلون على إعلان الإضراب العام... نعم، الإضراب العام إلى أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من القضية التي راحوا في سبيلها إلى غير رجعة...
قد تكون محقاً في قولك إن رجالك، أخوتنا، يدافعون عن لبنان، عن سهله والجبل في وجه الصهيوني والتكفيري وغيرهما من العتاة، ولكن... هل يعقل يا سيدنا أنك لا ترى العُتاة الأقرب؟ دعك من العتاة من مواطنينا اللبنانيين الذين سوف نوكل للقضاء أن يأخذ لنا منهم حقنا... أحدثك عن عتاتنا يا سيد... الأقرب إليك من حبل الوريد، وإلينا... ألا يستحقون شيئاً من بلاغتك ومن إصبعك الذي تشير به صوب الجليل...

خلص يا سيدنا... صدقني... لم يبق مِنّا مَنْ لم يُصَبْ بالأكروفوبيا (رهاب المرتفعات) ــ بما في ذلك أكروفوبيا جبال النفايات.

كيف لا يكون ذلك وليس من ابن امرأة يجرؤ  أن يخرج آلة تصوير ليصور طفله على قمة الجبل الرفيع إلّا بإذن من رجالك أو بعد عبثهم بكاميرته وتفقدهم ما وثّقه من خصوصيات عائلية؟

كيف لا يكون ذلك والكلمة الأعلى، (الأعلى من الجبال)، في جبالنا والوهاد للحجاج المولجين بالأمن؟
خلص يا سيدنا... صدقني... من لم يُصَبْ منا بالأكروفوبيا، تفتك به الباثوفوبيا (رهاب المنخفضات) ــ بما في ذلك باثوفوبيا الضاحية... أليست الضاحية وهْدَةً بين جبال...

يا سيدنا، صحيح أن رجالك سجلوا نقاطاً على إسرائيل ولكن أثمان هذه النقاط لا تكف تزداد ارتفاعاً، بمقدار ما تزداد هذه النقاط ابتعاداً كغيوم بيضاء مبعثرة في سماء صافية.

أكره الحنين يا سيدنا ولكنني لا أكره القرية التي ولدت وترعرعت فيها، وهذه القرية اليوم لا تشبه شيئاً على الإطلاق. ليس أنها فريدة من نوعها أو ما شابه ذلك من دواعي الافتخار... كلا، الأمر أبسط من ذلك بكثير: لم يبقَ منها شيءٌ على الإطلاق... ولأنه لم يبقَ منها شيءٌ على الإطلاق فهي لا تشبه شيئاً على الإطلاق...

لا أريد أن أزيد على همومك هموماً ولكن حقك أن تعرف أن العدو الغاشم ليس من صيَّر قريتي أثراً بعد عين...

لا شك عندي بأنك تعرف عن الأشياء وبواطنها أكثر مني بكثير ولكن لست أدري إن كنت تفقه حقاً ما أصارحك به: في الحرب المقبلة، إن وقعت الحرب، لن أخشى على قريتي من قصف أو من دمار، ولن أنفعل... ذِمَّةُ أشْرَف النّاس أوْسْعُ مما ظننت!

لن أنفعل، ولكنني لن أتنازل عن الوعد الذي قطعته لابنتي ذات السابعة بأنَّ لها، في مكان ما بين السهل والجبل، أرضاً صغيرة كان يزرعها جدها باللوبياء ــ أرضاً افتراضية بين سهل وجبل مُتَخَيّلين.

لا أعِدُكَ يا سيدنا بأنّ ابنتي سوف لن تنازعَ «المُحْتَلَّ» أرضَها الافتراضيّةَ تلك، ولو قيل لها بأنَّ يمينَه سدَّدَت أروع صاروخ إلى أفتك دبابة!


«كل شي عم يخلص»، يا سيدنا، «كل شي عم يخلص» حتى السهل والجبل...

No comments:

Post a Comment