إلى
أخي الذي ماتَ في سوريا
فاطمة
عبدالله

أخبرتكَ
أنني إذا دنت لحظةُ موتكَ سأقعُ أرضاً ولن يقوى أحبّاؤكَ على جعلي مُتّزنة.
إنني
يا أخي هشّة وعاجزة، تخذلني دموعي كلّما احتجتها. يخذلني الكون من حولي لأنكَ
ترحل. أتُدركُ معنى أنْ ترحل؟ أنْ تُخلِّف وراءك
أماً عجوزاً وأباً تائهاً وأختاً تتصنّع القوة فيما هي تتفتت، وأخوةً
يُعزّون أنفسهم بأنّك الآن في الجنّة؟ أما أنا، فمنذ رحيلك مُدمَّرة. مذهولة.
خَرِس لساني.
ظلّت
الصور في رأسي مُشَوّشة. أشهرٌ مضت وأنت فيّ جثّةً كلّ ليلة. لم أتخيّلكَ إلّا
ميتاً. ولكن إنْ جاء موتُكَ اشتدّت القسوة. موتُكَ يستولي على النفس فيُضيّق
عليها، ويجعل اللحظة كابوساً أبدياً. اعذرني إن عجزتُ الآن عن وصفه. أو ملامسته.
أو الصراخ في وجهه.
اعذرني
لأنني لم أزفّك شهيداً كما الجميع يفعل.
اعذرني
لأني يا أخي لا أقرأ الفاتحة وأعبس في وجه كل مَن يُصوّرك مُرتاحاً بموتك. ثم
أنهارُ وأنهارُ وأريدُ ألا أنهض.
كانت
السادسة والنصف صباح الجمعة الفائت عندما أيْقَظْتَنا من أجل الوداع. مرّ يومان
حتى حلّ وداعٌ مرعبٌ صاعقٌ. منذ خبر رحيلك وأنا صمتٌ قاتل. بقيتُ هناك، حيث أنتَ
تتألم بينما تأتيك الرصاصة في رأسك. أنظرُ من حولي فلا أرى وجهكَ. كان مشهدُ القبر
مروعاً وأنا الجبانة أضعفُ من أنْ أتقدَّم. أمروني بمناداتك. آخخخخخخ يا خيّ. شو
بقول؟ راح القلب يخفقُ بينما نتوجّه الى المستشفى حيث تُسجى. فإذا بي أمامكَ. أمام
جثّتك. كلّي على الأرض مُشظّى، ويدي تتحرّك بصعوبة. سامحني يا أخي لأني لمستُ
قدمكَ بدلاً من وجهكَ. لكنّ قدميك تعنيان لي الكثير، إذ سارا بكَ نحو النهاية.
تركتُ على إحداهما دمعة. أردتُها صافية مثل عينيك اللتين لم تفرحا يوماً. ونهر
يستريح في ظلّ شجرة.

أحبّكَ
من دون مقابل، ومن دون أن يكون لكلينا أي نظرة مُشتركة. سامحني إذ لم أكن أقلّد
سلوك الجميع في التبرّك منكَ وتهنئتك. سامحني لأني لا أحملُ تطلعات الأخت التي
تتمنى.
ذنبي
تجاهك يقتلني، فأزدادُ حاجةً لأن أخرس. لا أملكُ إلا أن أكتبَ اليكَ كلاماً لا
يعنيكَ ولن تقرأه البتة. أخشى أنكَ تراقبني فتُدركَ بأني لستُ كالجميع أحبّك. قلْ
أنّكَ تفعل وسأتوقّفُ عن البوح وأصمتُ الى الأبد. أقبّلُ وجهكَ المُحطَّم وقدميك
اللتين اختارتا طريقهما. أقبّلُ روحكَ التي توجِعُ روحي وحِذاءَكَ الذي تركوه لنا
وكل صورك.
نُشِرَت
هذه الشهادة على صفحات النهار يوم 5 آذار 2014
No comments:
Post a Comment