Monday, January 12, 2015

حرب المخيمات الثانية

في20 أيّار 2015 لن يحتفل أحد، وسط مراسم رسمية، بالذّكْرى الثلاثين على اندلاع «حرب المخيمات» ــ وفي الطّليعة ممن لن يُحِبَّ أن تعود هذه الذكرى أولئك الذين «اسْتَأسَدوا» يومذاك على «المخيمات»، والذين لا يحملون فقط وزر ما سفحوا من دم فلسطيني، ولكن، أيضاً، وزر ما أراقوا، كرمى نظام الأسد، من دم لبناني شيعي يبقى برسم الإحصاء أولاً، وبرسم المحاسبة عليه ثانياً وثالثاً ورابعاً! وإلى هذين الدَّمَيْن، فهم يحملون أيضاً وِزْرَ التأسيسِ، في لبنان، لما بات يُطلق عليه اصطلاحاً «الفتنة السّنية/الشيعية». 

وإذا كانت «حرب المخيمات» تلك قد دامت نحواً من ثلاث سنوات، (أيار 1985 ــ تموز 1988)، فإن حربَ سوريا التي زَجَّ فيها «حزبُ اللـه» باللبنانيين الشيعة، دفاعاً عن نظام ظالِمٍ، ونزولاً عند أوامِرِ نظامٍ يُحَسّنُ الاسْتِبْدادَ باسم آل البيت، تبدو مفتوحةً إلى ما لا نهاية له. ولكن، وعلى الرغم من الفارق بين الحَرْبَيْن، ظروفاً وملابساتٍ وأكلافاً، فلا نَظلم أيّاً منهما إن وصفنا حَرْبَ سوريا بـ «حرب المخيمات الثانية».

فـ «حرب المخيمات الثانية»، شأن شقيقتها الكبرى، حرب وقودها، (في عداد آخرين)، شبان لبنانيون شيعة، وهي حرب لن تنتهي، في أحسن الأحوال، وكما يُقِرُّ بذلك مَنْ يُنْزلون الموتَ في حمص وحلب ودمشق منزلة «الشهادة»، إلا «بتنازلات مؤلمة»، وهي، أخيراً لا آخراً، حرب تؤسس لمزيد من «الفتن».

هو كذلك ولكنَّ البلاءَ أدهى وأعظم! فإن تكن «حركة أمل» قد خاضت «حرب المخيمات الأولى» في مرحلة كان «حزب اللـه» خلالها مُنشغلاً، (في عداد مشاغل أخرى)، بتمكين أركانه، وحريصاً كل الحرص على صورته «الإسلامية» العابرة للمذاهب مِنْ أن تلطخ بدم فلسطيني (سني) ــ فنأى بنفسه عن تلك الحرب بل تقمَّص كلما أتيح له ذلك دور المُسعف والإطفائي ــ فـ«حزب اللـه»، نفسه، يخوض اليوم «حرب المخيمات الثانية» في سوريا في ظل تمدد غير مسبوق للنفوذِ الإيراني على امتداد العالم العربي ــ نفوذٍ يترجم عن نفسه لبنانياً باستيلاء شبه مُحْكَم لهذا التنظيم على مرافق لبنان السياسية والعسكرية والأمنية، واستيلاء لا يقل إحكاماً على القرار السياسي الشيعي حتى إنه ليس لأحد في صفوف الجماعة الشيعية، بما في ذلك «حركة أمل»، أن يتقمص، في حال أراد ذلك، دور الناصح له ــ لـ«حزب اللـه»!

بالطبع، لـ«حزب اللـه» أنْ يستولي مِقدارَ ما وسعه الاستيلاء، وله أيضاً أن يصم آذانه حتى عن النصائح التي يحسب البعض أنَّ إسداءها إليه مبرء لذممهم، غير أنَّ شيئاً من هذا لا يُبَرّر اليوم، ولن يبرر غداً، للبنانيين عموماً، وللبنانيين الشيعة على نحو
أخصّ، سكوتَهم عن هذه الحرب التي تَنْتَحِلُ، فيما تنتحله من عناوين، حماية لبنان واللبنانيين، لا سيما الشيعة منهم.

بعد أشهر قليلة، في الذكرى الثلاثين على اندلاع «حرب المخيمات الأولى»، لن يخْلوَ آتونُ «حرب المخيمات الثانية» من أن يلفظَ إلى مثواه الأخير ــ ثرى قرية جنوبية أو بقاعية، أو روضة من رياض الضاحية ــ شاباً شيعياً لا ما يميزه اليوم عن أترابه المعبئين للقتال في سوريا سوى أنه ما يزال على قيد الحياة! يومها، في 20 أيار 2015 ستدور آلة الموت دورتها المعهودة، وما هي أن يمضي «الأسبوع»، وأن ينزل الخطيب الجهوري عن المنبر، حتى يتحول «الشهيد» ذو الاسم والوجه والطلعة والعائلة و و و... إلى ملفٍّ في حاسوب من حواسيب «مؤسسة الشهيد»، أو سواها مِنْ بيوت مال «المال النظيف».
في الحديث: «قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار».


حتى ثبوت العكس، قتلانا ملفات...

No comments:

Post a Comment